فصل: ثم دخلت سنة اثنتين ومائة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الكامل في التاريخ **


  ذكر عدة حوادث

حج بالناس عبد الرحمن بن الضحاك بن قيس وكان عامل المدينة‏.‏

وكان على مكة عبد العزيز بن عبد الله بن خالد بن أسيد وكان على الكوفة عبد الحميد وعلى قضائها الشعبي وكانت البصرة قد غلب عليها ابن المهلب‏.‏

وكان على خراسان عبد الرحمن بن نعيم‏.‏

وفيها عزل إسماعيل بن عبيد الله عن إفريقية واستعمل مكانه يزيد بن أبي مسلم كاتب الحجاج فبقي عليها إلى أن قتل على ما نذكره إن شاء الله تعالى‏.‏

وفيها توفي مجاهد بن جبر وقيل سنة ثلاث وقيل‏:‏ وفيها توفي أبو صالح ذكوان‏.‏

وفيها توفي عامر بن أكثمة الليثي‏.‏

وأبو صالح السمان

وقيل له الزيات أيضًا لأنه كان يبعهما‏.‏

وأبو عمرو سعيد بن إياس الشيباني وكان عمره سبعًا وعشرين ومائة سنة وليست له صحبة‏.‏

وفي خلافة عمر توفي عبيدة بن أبي لبابة أبو القاسم العامري‏.‏

  ثم دخلت سنة اثنتين ومائة

  ذكر مقتل يزيد بن المهلب

ثم إن يزيد بن المهلب سار عن واسط واستخلف عليها ابنه معاوية وجعل عنده بيت المال والأسراء وسار على فم النيل حتى نزل العقر وقدم أخاه عبد الملك بن المهلب نحو الكوفة فاتقبله العباس بن الوليد بسورا فاقتتلوا فحمل عليهم أصحاب عبد الملك حملة كشوفهم فيها ومعهم ناس من تميم وقيس من أهل البصرة فنادوا‏:‏ يا أهل الشام‏!‏ الله الله إن تسلمونا‏!‏ وقد اضطرهم أصحاب عبد الملك إلى النهر‏.‏

فقال أهل الشام‏:‏ لا بأس عليكم إن لنا جولة في أول القتال ثم كروا عليهم فانكشف أصحاب عبد الملك فانهزموا وعادوا إلى يزيد‏.‏

وأقبل مسلمة يسير على شاطئ الفرات إلى الأنبار وعقد عليها الجسر فعبر وسار حتى نزل على ابن المهلب وأتى إلى ابن المهلب ناس من أهل الكوفة كثير ومن الثغور فبعث على من خرج إليه من أهل الكوفة وربع أهل المدينة عبد الله بن سفيان بن يزيد بن المغفل الأزدي وعلى ربع مذحج وأسد النعمان بن إبراهيم بن الأشتر وعلى كندة وربيعة محمد بن إسحاق بن الأشعث وعلى تميم وهمدان حنظلة بن عتاب بن ورقاء التميمي وجمعهم جميعًا مع المفضل بن المهلب وأحصى ديوان ابن المهلب مائة ألف وعشرين ألفًا فقال‏:‏ لوددت أن لي بهم من بخراسان من قومي ثم قام في أصحابه فحرصنهم على القتال‏.‏

وكان عبد الحميد بن عبد الرحمن قد عسكر بالنخيلة وشق المياه وجعل على أهل الكوفة الأرصاد لئلا يخرجوا إلى ابن المهلب وبعث بعثنًا إلى مسلمة مع سبرة بن عبد الرحمن بن مخنف وبعث مسلمة فعزل عبد الحميد عن الكوفة واستعمل عليها محمد بن عمرو بن الوليد بن عقبة وهو ذو الشامة‏.‏

فجمع يزيد رؤوس أصحابه فقال‏:‏ قد رأيت أن أجمع اثني عشر ألفًا فأبعثهم مع أخي محمد بن المهلب حتى يبتوا مسلمة ويجملوا معهم البراذع والكف والزبيل لدفن خندقهم فيقاتلهم على خندقهم بقية ليلته وأمده بالرجال حتى اصبح فإذا أصبحت نهضت إليهم في الناس فأناجزهم فإنني أرجو عند ذلك أن ينصرنا الله عليهم فقال السميدع‏:‏ إنا قد دعوناهم إلى كتاب الله وسنة نبيه ـ ـ صلى الله عليه وسلم ـ ـ وقد زعموا أنهم قبلوا هذا منا فليس لنا أن تمكر ولا نغدر حتى يردوا علينا ما زعموا أنهم قابلوه منا‏.‏

وقال أبو رؤبة وهو رأس الطائفة المرجئة ومعه أصحاب له‏:‏ صدق هكذا ينبغي‏.‏

فقال يزيد‏:‏ ويحكم‏!‏ أتصدقون بني أمية أنهم يعملون بالكتاب والسنة وقد ضيعوا ذلك منذ كانوا إنهم يخادعونكم ليمكروا بكم فلا يسبقوكم إليه إني لقيت بني مروان فما لقيت منهم أمكر ولا أبعد غدرًا من هذه الجرادة الصفراء يعني مسلمة‏.‏

قالوا‏:‏ لا نفعل ذلك حتى يردوا علينا ما زعموا أنهم قابلوه منا‏.‏

وكان مروان بن المهلب بالبصرة يحث الناس على حرب أهل الشام والحسن البصري يثبطهم فلما بلغ ذلك مروان قام في الناس يأمرهم بالجد والاحتشاد ثم قال‏:‏ بلغني أن هذا الشيخ الضال المرائي ولم يسمعه الناس والله لو أن جاره نزع من خص داره قصبة لظل يرعف أنفه‏!‏ وايم الله ليكفن عن ذكرنا وعن جمعه إليه سقاط الأبلة وعلوج فرات البصرة أو لأنحين عليه مبردًا خشنًا‏.‏

فلما بلغ ذلك الحسن قال‏:‏ والله ما كره أن يكرمني الله بهوانه‏.‏

فقال ناس من أصحابه‏:‏ لو أرادك ثم شئت لمنعناك‏.‏

فقال لهم‏:‏ فقد خالفتكم إذ ذاك ما نهيتكم عنه آمركم أن لا يقتل بعضكم بعضًا مع غيري وآمركم أن يقتل بعضكم بعضًا دوني‏!‏ فبلغ ذلك مروان فاشتد عليهم وطلبهم وتفرقوا وكف عن الحسن‏.‏

وكان اجتماع يزيد بن المهلب ومسلمة بن عبد الملك بن مروان ثمانية أيام فلما كان يوم الجمعة لأربع عشرة مضت من صفر بعث مسلمة إلى الوضاح أن يخرج بالسفن حتى يحرق الجسر ففعل وخرج مسلمة فعبأ جنود أهل الشام ثم قرب من ابن المهلب وجعل على ميمنته جبلة بن مخرمة الكندي وعلى ميسرته الهذيل بن زفر بن الحارث الكلابي وجعل العباس ابن الوليد على ميمنته سيف بن هانئ الهمداني وعلى ميسرته سويد بن القعقاع التميمي وكان مسلمة على الناس‏.‏

وخرج يزيد بن المهلب وقد جعل على ميمنته حبيب بن المهلب وعلى ميسرته المفضل‏.‏

فخرج رجل من أهل الشام فدعا إلى المبارزة فبرز إليه محمد بن المهلب فضربه محمد فاتقاه الرجل بيده وعلى كفه كف من حديد فضربه محمد فقطع الكف الحديد وأسرع السيف في كفه واعتنق فرسه فانهزم‏.‏

فلما دنا الوضاح من الجسر ألهب فيه النار فسطع دخانه وقد أقبل الناس ونشبت الحرب ولم يشتد القتال فلما رأى الناس الدخان وقيل لهم أحرق الجسر انهزموا فقيل ليزيد‏:‏ قد انهزم الناس‏.‏

فقال‏:‏ مم انهزموا هل كان قتال ينهزم من مثله فقيل له‏:‏ أحرق الجسر فلم يثبت أحد‏.‏

فقال‏:‏ قبحهم الله‏!‏ بق دخن عليه فطار‏!‏ ثم خرج معه أصحابه فقال‏:‏ اضربوه وجوه المنهزيمين

ففعلوا ذلك بهم حتى كثروا عليه واستقبله أمثال الجبال فقال‏:‏ دعوهم فوالله إني لأرجو أن لا يجمعني وإياهم مكان أبدًا دعوهم يرحمهم الله غنم عدا في نواحيها الذئب‏!‏ وكان يزيد لا يحدث نفسه بالفرار وكان قد أتاه يزيد بن الحكم بن أبي العاص الثقفي وهو ابن أخي عثمان بن أبي العاص صاحب رسول الله ـ ـ صلى الله عليه وسلم ـ ـ ليس بينه وبين الحكم بن أبي العاص والد مروان نسب وهو بواسط فقال له‏:‏ إن بني مروان قد باد ملكهم فإن كنا لم تشعر بذلك فاشعر‏.‏

فقال‏:‏ ما شعرت فقال ابن الحكم‏:‏ فعش ملكًا أو مت كريمًا فإن تمت وسيفك مشهور بكفك تعذر فقال‏:‏ أما هذا فعسى‏.‏

فلما رأى يزيد انهزام أصحابه قال‏:‏ يا سميدع أرأيي أجود أم رأيك ألم أعلمك ما يريد القوم قال‏:‏ بلى فنزل سميدع ونزل يزيد في أصحابهما‏.‏

وقيل‏:‏ كان على فرس أشهب فأتاه آتٍ فقال‏:‏ إن أخاك حبيبًا قد قتل‏.‏

فقال‏:‏ لا خير في العيش بعده قد كنت والله أبغض الحياة بعد الهزيمة وقد ازددت لها بغضًا امضوا قدمًا‏.‏

فعلموا أنه قد استقتل فتسلل عنه من يكره القتال وبقي معه جماعة جنسه وهو يتقدم فكلما مر بخيل كشفها أو جماعة من أهل الشام عدلوا عنه وأقبل نحوه مسلمة لا يريد غيره‏.‏

فلما دنا منه أدنى مسلمة فرسه ليركب فعطف عليه خيول أهل الشام وعلى أصحابه فقتل يزيد والسميدع ومحمد بن المهلب‏.‏

وكان رجل من كلب يقال له القحل بن عياش فلما نظر إلى يزيد قال‏:‏ هذا والله يزيد‏!‏ والله لأقتلنه أو ليقتلني‏!‏ فمن يحمل معي يكفيني أصحابه حتى أصل إليه فحمل معه ناس فاقتتلوا ساعة وانفرج الفريقان عن يريد قتيلًا وعن القحل بآخر رمقه فأومأ إلى أصحابه يريهم مكان يزيد وأنه هو قاتله وأن يزيد قتله‏.‏

وأتى برأس يزيد مولى لبني مرة فقيل له‏:‏ أنت قلته قال‏:‏ لا فلما أتى مسلمة سيرة إلى يزيد بن عبد الملك من خال بن الوليد بن عقبة بن أبي معيط‏.‏

وقيل‏.‏

وقيل‏:‏ بل قتله الهذيل بن زفر بن الحارث الكلابي ولم ينزل يأخذ رأسه أنفةً‏.‏

ولما قتل يزيد كان المفضل بن المهلب يقاتل أهل الشام وما يدري بقتل يزيد ولا بهزيمة الناس وكان كلما حمل على الناس انكشفوا ثم يحمل حتى يخالطهم وكان معه عامر بن العميثل الأزدي يضرب بسيفه ويقول‏:‏ قد علمت أم الصبي المولود أني بنصل السيف غير رعديد فاقتتلو ساعةً فانهزمت ربيعة فاستقبلهم المفضل يناديهم‏:‏ يا معشر ربيعة الكرة الكرة‏!‏ والله ما كنتم بكشف ولا لئام ولا لكم هذه بعادة فلا يؤتين أهل العراق من قبلكم فدتكم نفسي‏!‏ فرجعوا إليه يريدون الحملة فآتى وقيل له‏:‏ ما تصنع هاهنا وقد قتل يزيد وحبيب ومحمد وانهزم

الناس منذ طويل فتفرق الناس عنه ومضى المفضل إلى واسط فما كان من العرب أضرب بسيفه ولا أحسن تعبية للحرب ولا أغشى للناس منه‏.‏

وقيل‏:‏ بل أتاه أخوه عبد الملك وكره أن يخبره بقتل يزيد فيستقتل فقال له‏:‏ إن الأمير قد انحدر إلى واسط‏.‏

فانحدر المفضل بمن بقي من ولد المهلب إلى واسط فلما علم بقتل يزيد حلف أنه لا يكلم عبد الملك أبدًا فما كلمه حتى قتل بقندابيل‏.‏

وكانت عينه أصيبت في الحرب فقال‏:‏ فضحني عبد الملك ما عذري إذا رآني الناس فقالوا شيخ أعور مهزوم‏!‏ ألا صدقني فقتلت ثم قال‏:‏ ولا خير في طعن الصناديد باقنا ولا في لقاء الحرب بعد يزيد فلما فارق المفضل المعركة جاء عسكر الشام إلى عسكر يزيد فقاتلهم أبو رؤبة صاحب المرجئة ساعةً من النهار وأسر ملمة نحو ثلاثمائة أسير فسرحهم إلى الكوفة فحبسوا بها فجاء كتاب يزيد بن عبد الملك إلى محمد بن عمرو ابن الوليد يأمره بضرب رقاب الأسرى فأمر العريان بن الهيثم وكان على شرطته أن يخرجهم عشرين عشرين وثلاثين ثلاثين فقام نحو ثلاثين رجلًا من تميم فقالوا‏:‏ نحن انهزمنا بالناس فأبدأوا بنا قبل الناس‏.‏

فأخرجهم العريان فضرب رقابهم وهم يقولون‏:‏ انهزمنا بالناس فكان هذا جزاءنا‏.‏

فلما فرغوا منهم جاء رسول بكتاب من عند مسلمة يأمره بترك قتل الآسرى‏.‏

وأقبل مسلمة حتى نزل الحية‏.‏

ولما أتت هزيمة يزيد إلى واسط أخرج ابنه معاوية اثنين وثلاثين أسيرًا كانوا عنده فضرب أعناقهم منهم عدي بن أرطاة ومحمد بن عدي بن أرطاة ومالك وعبد الملك ابنا مسمع وغيرهم ثم أقبل حتى أتى البصرة ومعه المال والخزائن وجاء المفضل بن المهلب اجتمع أهل المهلب بالبصرة فأعدوا السفن وتجهزوا للركوب في البحر‏.‏

وكان يزيد بن المهلب بعث وداع ابن حميد الزدي على قندابيل أميرًا وقال له‏:‏ إني سائر إلى هذا العدو ولو قد لقيتم لم أبرح العرصة حتى يكون لي أولهم فغن ظفرت أكرمتك وإن كانت الأخرى كنت بقندابيل حتى يقدم عليك أهل بيتي فيتحصنوا بها حتى يأخذوا لأنفسهم أمانًا وقد اخترتك لهم من بين قومي فكن عند أحسن ظني‏.‏

وأخذ عليه العود لينا صحن أهل بيته إن هم لجأوا إليه‏.‏

فلما اجتمع آل المهلب بالبصرة حملوا عيالاتهم وأموالهم في السفن البحرية ثم لججوا في البحر حتى إذا كانوا بحيال كرمان خرجوا من سفنهم وحملوا عيالاتهم وأموالهم على الدواب وكان المقدم عليهم المفضل بن المهلب وكان بكرمان فلول كثيرة فاجتمعوا إلى المفضل وبعث مسلمة بن عبد الملك مدرك بن ضب الكلبى في طلبهم وفي أثر الفل فأدرك مدرك المفضل ومعه الفلول في عقبه فعطفوا عليه فقاتلوه واشتد قتالهم إياه فقتل من أصحاب المفضل النعمان بن إبراهيم بن الأشتر النخعي ومحمد بن إسحاق بن محمد بن الأشعث وهرب ابن المهلب فطلبوا

الأمان فأمنوا منهمك مالكم بن إبراهيم بن الأشتر والورد بن عبد الله بن حبيب السعدي التميمي‏.‏

ومضى آل المهلب ومن معهم إلى قندابيل وبعث مسلمة إلى مدرك بن ضب فرده وير في أثرهم هلال بن أحوز التميمي لحقهم بقندابيل فأراد أهل المهلب دخولها فمنعهم وداع بن حميد وكان هلال بن أحوز لم يباينآل المهلب فلما التقوا كان وداع على المينة وعبد الملك بن هلال على الميسرة وكلاهما أزدي فرفع هلال بن أحور راية أمان فمال إليه وداع ابن حميد وعبد الملك بن هلال وتفرق الناس عن آل المهلب‏.‏

فلما رأى ذلك مروان بن المهلب أراد أن ينصرف إلى النساء فيقتلهن لئلا يصرن إلى أولئك فنهاه المفضل عن ذلك وقال‏:‏ إنا لا نخاف عليهن من هؤلاء‏.‏

فتركهن وتقدموا بأسيافهم فقاتلوا حتى قتلوا من عند آخرهم وهم‏:‏ المفضل وعبد الملك وزياد ومروان بنو المهلب ومعاوية بن يزيد بن المهلب والمنهال ابن أبي عيينه بن المهلب وعمرو والمغيرة ابنا قبيصة بن لمهلب وحملت رؤوسهم وفي أذن كل واحد رقعة فيها اسمه إلا أبا عيينة بن المهلب وعمر بن يزيد بن المهلب وعثمان بن المفضل بن المهلب فإنهم لحقوا برتبيل‏.‏

وبعث هلال بن أحوز بنسائهم ورؤوسهم والاسرى من آل المهلب إلى مسلمة بالحيرة فبعثهم مسلمة إلى يزيد بن عبد الملك فسيرهم يزيد إلى العباس بن الوليد وهو على حلب فنصب الرؤوس وأراد مسلمة أن يبيع الذرية فاشتراهم منه الجراح بن عبد الله الحكمي بمائة ألف وخلى سبيلهم ولم يأخذ مسلمة من الجراح شيئًا‏.‏

ولما بلغ يزيد بن عبد الملك الخبر بقتل يزيد سره لأنتصاره ولما في نفسه منه قبل الخلافة‏.‏

وكان سبب العداوة بينهما أن ابن المهلب خرج من الحمام أيام سليمان ابن عبد الملك وقد تضمخ بالغالية فاجتاز بيزيد بن عبد الملك وهو إلى جانب عمر بن عبد العزيز فقال‏:‏ قبح الله الدنيا لوددت أم مثقال غالية بألف دينار فلا ينالها إلا كل شريف‏.‏

فسمع ابن المهلب فقال له‏:‏ بل وددت أن الغالية كانت في جبهة الأسد فلا ينالها إلا مثلي‏.‏

فقال له يزيد بن عبد الملك‏:‏ والله لئن وليت يومًا لأقتلنك‏.‏

فقال له ابن المهلب‏:‏ والله لئن وليت هذا الأمر وأنا حي لأضربن وجهك بخمسين ألف سيف فهذا كان سبب البغض بينهما وقيل غير ذلك وقد تقدم ذكره‏.‏

وأما الأسى فكانوا ثلاثة عشر رجلًا فلما قدم بهم على يزيد بن عبد الملك وعنده كثير عزة فأنشد‏:‏ حليم إذا ما نال عاقب مجملًا أشد العقاب أو عفا لم يثرب فعفوًا أمير المؤمنين وحسبهً فما تأته من صالح لك يكتب أساؤوا فإن تصفح فإنك قادر وافضل حلمٍ حسبةً حلم مغضب

قال يزيد بن عبد الملك‏:‏ هيهات يا أبا صخر‏!‏ طف بك الرحم لا سبيل إلى ذلك إن الله عز وجل أفادنيهم بأعمالهم الخبيثة‏.‏

ثم أمر بهم فقتلوا وبقي غلام صغير فقال‏:‏ اقتلوني فما أنا بصغير‏.‏

فقال‏:‏ انظروا أنبت‏.‏

فقال‏:‏ أنا أعلم بنفسي قد احتملت ووطئت النساء‏.‏

فأمر به يزيد فقتل‏.‏

وأسماء الأسرى الذين قتلوا‏:‏ المعارك وعبد الله والمغيرة والمفضل ومنجاب أولاد يزيد بن المهلب ودريد والحجاج وغشان وشبيب والفضل أولاد المفضل بن المهلب والمفضل بن قبيصة بن المهلب‏.‏

وقال ثابت يرثى يزيد بن المهلب‏:‏ أبى طول هذا الليل أن يتصرما وهاج لك الهم الفؤاد المتيما أرقت ولم تأرق معي أم خالد وقد أرقت عيناي حولًا محرما على هالكٍ هد العشيرة فقده دعته المنايا فاستجاب وسلما على ملكٍ بالعقر يا صاح جبنت كتائبه واستورد الموت معلما أصيب وأشهد ولو كنت شاهدًا تسليت إن لم يجمع الحي مأتما وفي غير الأيام يا هند فاعلمي لطالب وترٍ نظرة إن تلوما فعلي إن مالت بي الريح ميلةً على ابن أبي ذبان أن يتندما وإن نلق للعباس في الدهر عشرةً نكافئه باليوم الذي كان قدما قصاصًا ولم نعد الذي كان قد أتى إلينا وإن كان ابن مروان أظلما ستعلم إن زلت بك النعل زلةً وأظهر أقوام حياءً مجمجما من الظالم الجاني على أهل بيته إذا أحضرت أسباب أمر وأبهما وإنا لعطافون بالحلم بعدما نرى الجهل من قرط اللئيم تكرما وإنا لحلالون بالثغر لا نرى به ساكنًا إلا الخميس العرمرما نرى أن للجيران حقًا وذمةً إذا الناس لم يرعوا الذي الجار محر وغنا لنقري الضيف من قمع الذرى إذا كان رفد الرافدين تجسما وأما أبو عيينة بن المهلب فأرسلت هند بنت المهلب إلى يزيد بن عبد الملك في أمانه فآمنه وبقي عمر وعثمان حتى ولي أسد بن عبد الله القسري خراسان فكتب إليهما بأمانهما فقدماخراسان‏.‏

قطنة بالنون وهو ثابت بن كعب بن جابر العتكي الأزدي أصيبت عينه بخراسان فجعل عليها قطنة فعرف بذلك وهو يشتبه بثابت بن قطبة بالباء الموحدة وهو خزاعي وذاك عتكي‏.‏

ولما فرغ مسلمة بن عبد الملك من حرب يزيد بن المهلب جمع له أخوه يزيد ابن عبد الملك ولاية الكوفة والبصرة وخراسان فأقر محمد بن عمرو بن الوليد على الكوفة وكان قد قام بأمر البصرة بعد آل المهلب شبيب بن الحارث التميمي فبعث عليها مسلمة عبد الرحمن بن سليمان الكلبي وعلى شرطتها وأحداثها عمرو بن يزيد التميمي فأراد عبد الرحمن أن يستعرض أهل البصرة فيقتلهم فنهاه عمرو واستمهله عشرة أيام وكتب إلى مسلمة بالخبر فعزله وولى البصرة بعد الملك بن بشر بن مروان وأقر عمرو بن يزيد على الشرط والأحداث‏.‏

  ذكر استعمال سعيد خذينة على خراسان لمسلمة

استعمل مسلمة على خراسان سعيد بن عبد العزيز بن الحارث بن الحكم بن أبي العاص بن أمية وهو الذي يقال له سعيد خذينة وإنما لقب بذلك لأنه كان رجلًا لينًا متنعمًا فدخل عليه ملك أبغر وسعيد في ثياب مصبغة وحوله مرافق مصبغة فلما خرج من عنده قالا‏:‏ كيف رأيت الأمير قال‏:‏ خذينة فلقب خذينة وخذينة هي الهقانة ربة البيت‏.‏

وكان سعيد تزوج ابنة مسلمة فلهذا استعمله على خراسان‏.‏

فلما استعمل مسلمة سعيدًا على خراسان سار إليها فاستعمل شعبة بن ظهير النهشلي على سمرقند فسار إليها فقدم الصغد وكان أهلها كفروا في ولاية عبد الرحمن ابن نعيم ثم عادوا إلى الصلح فخطب شعبة أهل الصغد ووبخ سكانها من العرب وغيرهم بالجبن وقال‏:‏ ما أرى فيكم جريحًا ولا أسمع أنة‏.‏

فاعتذروا ليه بأن جبنوا أميرهم علباء بن حبيب العبدي‏.‏

وأخذ سعيد عمال عبد الرحمن بن عبد الله الذين ولوا أيام عمر بن عبد العزيز فحبسهم ثم أطلقهم ثم رفع إلى سعيد أن جهم بن زحر الجعفي وعبد العزيز بن عمرو بن الحجاج الزبيدي والمنتجع بن عبد الرحمن الأزدي ولوا ليزيد بن المهلب في ثمانية نفر وعندهم أموال قد أخفوها من فيء المسلمين‏.‏

فأرسل إليهم فحبسهم بقهندر مرو وحمل جهم بن زحر على حمار وأطاف به فضربه مائتي سوط وأمر به وبالثمانية الذين حبسوا معه فسلموا إلى ورقاء بن نصر الباهلي فاستعفاه فأعفاه فسلمهم إلى عبد الحميد ابن دثار وعبد الملك بن دثار والزير بن نشيط مولى باهلة فقتلوا في العذاب جهم بن زحر وعبد العزيز والمنتجع وعذبوا القعقاع وقمًا حتى أشفوا على الموت فلم يزالوا في السجن حتى غزاهم الترك والصغد فأمر سعيد بإخراجهم وكان يقول‏:‏ قبح الله الزبير فإنه قتل جهمًا‏!‏ ذكر البيعة بولاية العهد لهشام والوليد لما وجه يزيد بن عبد الملك الجيوش إلى يزيد بن المهلب على ما ذكرناه واستعمل على الجيش مسلمة بن عبد الملك أخاه والعباس بن الوليد بن عبد الملك وهو ابن أخيه قالا له‏:‏ يا أمير المؤمنين إن أهل العراق أهل غدر وإرجاف وقد توجهنا محاربين والحوادث تحدث ولا نأمن أن يرجف أهل العراق ويقولوا مات أمير المؤمنين فيفت ذلك في أعضادنا فلو عهدت عهد عبد العزيز بن الوليد لكان رأيًا صوابًا‏.‏فبلغ ذلك مسلمة بن عبد الملك فأتى أخاه يزيد فقال‏:‏ يا أمير المؤمنين إنما أحب إليك أخوك أم ابن أخيك فقال‏:‏ بلى أخي‏.‏

فقال‏:‏ فأخوك أحق بالخلافة‏.‏

فقال يزيد‏:‏ إذا لم تكن في ولدي فأخي أحق بها من ابن أخي كما ذكرت‏.‏

قال‏:‏ فابنك لم يبلغ فبايع لهشام بن عبد الملك ثم بعده لابنك الوليد وكان الويد يومئذ ابن إحدى عشرة سنة فبايع بولاية العهد لهشام بن عبد الملك أخيه وبعده لأبنه الوليد بن يزيد ثم عاش يزيد حتى بلغ ابنه الوليد فكان إذا رآه يقول‏:‏ والله بيني وبين من جعل هشامًا بيني وبينك‏.‏

  ذكر غزو الترك

لما ولي سعيد خراسان استضعفه الناس وسموه خذينة وكان قد استعمل شعبة على سمرقند

ثم عزله فطمعت الترك فجمعهم خاقان ووجههم إلى الصغد وعلى الترك كور صول فأقبلوا حتى نزلوا بقصر الباهلي‏.‏

وقيل‏:‏ أراد عظماء الدهاقين أن يتزوج امرأة من باهلة كانت في ذلك القصر فأبت استجاش ورجوا أن يسبوا من في القصر فأقبل كورصول حتى حصر أهل القصر وفيه مائة أهل بيت بدرايهم وكان على سمقند عثمان بن عبد الله بن مطرف بن الشخير قد استعمله سعيد بعد شعبة فكتبوا إليه وخافوا أن يبطئ عنهم المدد فصالحوا الترك على أربيعين ألفًا وأعطوهم سبعة عشر رجلًا رهينةً وندب عثمان الناس فانتدب المسيب بن بشر الرياحي وانتدب معه أربعة آلاف من جميع القبائل وفيهم سعبة بن ظهير وثابت قطنة وغيرهما الفرسان فلما عسكروا قال لهم المسيب‏:‏ إنكم تقدمون على حلبة الترك عليهم خاقان والعوض إن صبرتم الجنة والعقاب إن فررتم النار فمن أراد الغزو والصبر فليقدم فرجع عنه ألف وثلاثمائة فلما سار فرسخًا رجع بمثل مقالته الأولى فاعتزله ألف ثم سار فرسخًا أخر فقال لهم مثل ذلك فاعزله ألف ثم سار فلما كان على فرسخين منهم نزل فأتاهم ترك خاقان ملك قي فقال‏:‏ لم يبق ها هنا دهقان إلا وقد بايع الترك غيري وأن في ثلاثمائة مقاتل فهم معك وعندي الخبر قد كانوا صالحوهم وأعطوهم سبعة عشر رجلًا يكونون رهينة في أيديهم حتى يأخذوا صلحهم فلما بلغهم مسيركم إليهم فبعث المسيب رجلين رجلًا من العرب ورجلًا من العجم ليعلما علم القوم فأقبلا في ليلة مظلمة وقد أخذت الترك في نواحي القصر فليس يصل إليه أحد ودنوا من القصر فصاح بهما الربيئة فقالا له‏:‏ اسكت وادع لنا عبد الملك بن دثار‏.‏

فدعاه فأعلماه بقرب المسيب منهم وقالا‏:‏ هل عندكم امتناع الليلة وغدًا قالزا‏:‏ قد أجمعنا على تقديم نسائنا للموت أمامنا حتى نموت جيمعا غدًا‏.‏

فرجعا إلى المسيب فأخبراه فقال لمن معه‏:‏ إني سائر إلى هذا العدو فمن أحب أن يذهب فليذهب فلم يفارقه أحد وبايعوه على الموت‏.‏

فأصبح وسار وقد ازداد القصر تحصينًا بالماء الذي أجراه الترك فلما صار بينه وبين الترك نصف فرسخ نزل وقد أجمع على بيانهم فلما أمى أمر أصحابه بالصبر وحثهم عليه وقال‏:‏ ليكن شعاركم يا محمد ولا تتبعوا موليًا وعليكم بالدواب فاعقروها فإنها إذا عقرت كانت أشد عليهم منكم وليست بكم قلة فإن سبعمائة سف لا يضرب بها في عسكر إلا أوهنوه وإن كثر أهله‏.‏

وجعل على ميممنته كثيرًا الدبوسي وعلى ميسرته ثابت قطنة وهو من الأزد فلما دنوا منهم كبروا وذلك في السحر وثار الترك وخالطهم المسلمون فعقروا الدواب وترجل المسيب في رجال معه فقاتلوا قتالًا شديدًا وانقطعت يمين البختري المرائي فاخذ السيف بشماله فقطعت فجعل يذب بيديه حتى استشهد‏.‏

وضرب ثابت قطنة عظيمًا من عظماء الترك فقتله وانهزمت الترك ونادى منادي المسيب‏:‏ لا تتبعوهم فإنهم لا يدرون من الرعب أبتعتموهم أم لا واقصدو القصر ولا تحملوا إلا الماء ولا تحملوا إلا من يقدر على المشي ومن حمل امرأة أو صبيًا أو ضعيفًا حسبة فأجره على الله ومن أبى فله أربعون درهمًا وإن كان في القصر أحد من أهل عهدكم فاحملوه‏.‏

فحملوا من القصر وأتوا ترك خاقان فأنزلهم قصره وأتاهم بطعام ثم ساروا إلى سمرقند‏.‏

ورجعت الترك من الغد فلم يروا في القصر أحدًا ورأوا قتلاهم فقالوا‏:‏ لم يكن الذي جاءنا من الإنس فقال ثابت قطنة‏:‏ فدت نفسي فوارس من تميمٍ غداة الروع في ضنك المقام فدت نفسي فوارس أكنفوني على الأعداء فر رهج القتام بقصر الباهلي وقد رأوني أحامي حيث ضربه المحامي بسيفي بعد حطم الرمح قدمًا أذودهم بذي شطب حسام أكر عليهم اليحموم كرًا ككر الشرب آنية المدام أكر به لدى الغمرات حتى تجلت لا يضيق به مقامي فلولا الله ليس له شريك وضربي قونس الملك الهمام إذًا لسعت نساء بني دثار أمام الترك بادية الخدام وعور تلك الليلة معاوية بن الحجاج الطائي وشلت يده وكان قد ولي ولاية قبل سعيد فأخذه سعيد بشيء بقي عليه فدفعه إلى شداد بن خليد الباهلي ليستأديه فضيق عليه شداد فقال معاوية‏:‏ يا معشر قيس سرت إلى قصر الباهلي وأنا شديد البطش حديد البصر فعورت وشلت يدي وقاتلت حتى استقذناهم بعدما أشرفوا على القتل والأسر والسبي وهذا صاحبكم يصنع بي ما يصنع فكفوه عني فخلاه‏.‏

قال بعض من كان بالقصر‏:‏ لما التقوا ظنا أن القيامة قد قامت لما سمعنا من هماهم القوم ووقع الحديد وصهيل الخيل‏.‏

  ذكر غزو الصغد

وفي هذه السنة عبر سعيد خذينة النهر وغزا الصغد وكانوا قد نقضوا العهد وأعانوا الترك على المسلمين فقال الناس لسعيد‏:‏ إنك قد تركت الغزو وقد أغار الترك وكفر أهل الصغد‏.‏

فقطع النهر وقصد الصغد فلقيه الترك وطائفة من الصغد فهزمهم المسلمون فقال سعيد‏:‏ لا تتبعوهم فإن الصغد بستان أمير لمؤمنين وقد هزمتموهم أفتريدون بوارهم وقد قاتلتم يا أهل العراق الخلفاء غير مرة فهل أبادوكم وقال سورة بن الحر لحيان النبطي‏:‏ ارجع عنهم يا حيان‏.‏

قال‏:‏ عقيرة الله لا أدعها‏.‏

قال‏:‏ انصرف يا نبطي‏.‏

قال‏:‏ أنبط الله وجهك‏!‏ وسار المسلمون فانتهوا إلى واد بينهم وبين المرج فقطعه بعضهم وقد أكمن لهم الترك فلما جاءهم المسلمون خرجوا عليهم فانهزم المسلمون حتى أنتهوا إلى الوادي فصبروا حتى انكشفوا لهم‏.‏

وقيل‏:‏ بل كان المنهزمون مسلحة المسلمين فما شعروا إلا والترك قد خرجوا عليهم من غيضة وعلى الخيل شعبة بن ظهير فأعجلهم الترك عن الركوب فقاتلهم شعبة فقتل وقتل نحو من خمسين رجلًا وانهزم أهل المسلحة وأتى المسلمين الخبر فركب الخليل بن أوس العبشمي أحد بين ظالم ونادى‏:‏ يا بني تميم إلي أنا الخليل‏!‏ فاجتمع معه جماعة فحمل بهم على العدو فكفوهم حتى جاء الأمير والناس فانهزم العدو فصار الخليل على خيل بني تميم حتى ولي نصر بن سيار ثم صارت رياستهم لأخيه الحكم بن اؤس‏.‏

فلما كان العام المقبل بعض رجالًا من تميم إلى ورغسر فقالوا‏:‏ ليتنا نلقى العدو فناطردهم‏.‏

وكان سعيد إذا بعث سرية فأصابوا أو غنموا وسبوا رد السبي وعاقب السرية فقال الهجري الشاعر‏:‏

سريت إلى الأعداء تلهو بلبةٍ ** وأيرك مسلول وسيفك مغمد

وأنت لمن عاديت عرس خفية ** وأنت علينا كالحسام المهند

فقعد سعيد على النا وضعفوه‏.‏

وكان رجل من بني أسد يقال له إسماعيل منقطعًا إلى مروان بن محمد فذكر إسماعيل عند خذينة مودته لموان فقال خذينة‏:‏ وما ذاك السلط فقال إسماعيل‏:‏ زعمت خذينة انني سلط لخدينة المرآة والمشط ومجامر وكاحل جعلت ومعازف وبخدها نقط أفذاك أم زعف مضاعفة ومهند من شأنه القط لمقرسٍ ذكرٍ أخي ثقةٍ لم يغذه التأنيث واللقط في أبيات غيرها‏.‏